فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وليس شكًّا في قدرة الله تعالى ولكنّهم سألوا آية لزيادة اطمئنان قلوبهم بالإيمان بأن ينتقلوا من الدليل العقلي إلى الدليل المحسوس.
فإنّ النفوس بالمحسوس آنس، كما لم يكن سؤال إبراهيم بقوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] شكًّا في الحال.
وعلى هذا المعنى جرى تفسير المحققين مثل ابن عطية، والواحدي، والبغوي خلافًا لما في «الكشاف».
وقرأ الجمهور: {يستطيع} بياء الغيبة ورفع {ربُّك}.
وقرأه الكسائي {هل تَستطيع ربَّك} بتاء المخاطب ونصب الباء الموحّدة من قوله: {ربّك} على أنّ {ربّك} مفعول به، فيكون المعنى هل تسأل لنا ربّك، فعبّر بالاستطاعة عن طلب الطاعة، أي إجابة السؤال.
وقيل: هي على حذف مضاف تقديره هل تستطيع سؤال ربّك، فأقيم المضاف إليه مُقام المضاف في إعرابه.
وفي رواية الطبري عن عائشة قالت: كان الحواريّون أعلم بالله عزّ وجل من أن يقولوا: هل يستطيع ربّك، ولكن قالوا: هل تستطيع ربّك.
وعن معاذ بن جبل أقرأنا النبي {هل تستطيع ربّك}. اهـ.

.قال الفخر:

قال الزجاج: المائدة فاعلة من ماد يميد، إذا تحرك فكأنها تميد بما عليها وقال ابن الأنباري سميت مائدة لأنها عطية من قول العرب: ماد فلان فلانا يميده ميدًا إذا أحسن إليه، فالمائدة على هذا القول، فاعلة من الميد بمعنى معطية، وقال أبو عبيدة: المائدة فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية، وأصلها مميدة ميد بها صاحبها، أي أعطيها وتفضل عليه بها، والعرب تقول مادني فلان يميدني إذا أحسن إليه. اهـ.

.قال الثعلبي:

والمائدة هي الخوان الذي عليه الطعام وهي فاعلة إذا أعطاه وأطعمه، كقولهم: ماد يميد، وغار يغير، وامتاد إفتعل ومنه قول روبة:
تهدى رؤس المترفين الأنداد ** إلى أمير المؤمنين الممتاد

أي المستعطي.
قال رؤبة: والمائدة هي المطعمة المعطية الآكلين الطعام وسمي الطعام أيضًا مائدة على الخوان لأنه يؤكل على المائدة كقولهم للمطر سماء، وللشحم ثرى.
وقال أهل الكوفة: سميت مائدة لأنها تميد الآكلون أي تميل ومنه قوله: {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15].
قال الشاعر:
وأقلقني قتل الكناني بعده ** وكادت بي الأرض الفضاء تميد

فقال أهل البصرة: هي فاعلة بمعنى المفعول أي تميد بالآكلين إليها، كقوله عيشة راضية أي مرضية. اهـ.

.قال الألوسي:

والمائدة في المشهور الخوان الذي عليه الطعام من ماد يميد إذا تحرك أو من ماده بمعنى أعطاه فهي فاعلة إما بمعنى مفعولة كـ{عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (القارعة؛ 7)، واختاره الأزهري في «تهذيب اللغة» أو بجعلها للتمكن مما عليها كأنها بنفيها معطية كقولهم للشجرة المثمرة: مطعمة.
وأجاز بعضهم أن يقال فيها ميدة واستشد عليه بقول الراجز:
وميدة كثيرة الألوان ** تصنع للجيران والأخوان

واختار المناوي أن المائدة كل ما يمد ويبسط، والمراد بها السفرة، وأصلها طعام يتخذه المسافر ثم سمي بها الجلد المستدير الذي تحمل به غالبًا كما سميت المزادة راوية.
وجوز أن تكون تسمية الجلد المذكور سفرة لأن له معاليق متى حلت عنه انفرج فاسفر عما فيه.
وهذا غير الخوان بضم الخاء وكسرها وهو أفصح ويقال له: اخوان بهمزة مكسورة لأنه اسم لشيء مرتفع يهيأ ليؤكل عليه الطعام، والأكل عليه بدعة لكنه جائز إن خلا عن قصد التكبر.
وتطلق المائدة على نفس الطعام أيضًا كما نص عليه بعض المحققين، و{مّنَ السماء} يجوز أن يتعلق بالفعل قبله وأن يتعلق بمحذوف وقع صفة لمائدة أن مائدة كائنة من السماء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

واسم {مائدة} هو الخوان الموضوع عليه طعام، فهو اسم لمعنى مركّب يدلّ على طعاممٍ وما يوضع عليه.
والخِوان بكسر الخاء وضمّها تخت من خشب له قوائم مجعول ليوضع عليه الطعام للأكل، اتّفقوا على أنّه معرّب.
قال الجواليقي: هو أعجمي.
وفي حديث قتادة عن أنس قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قطّ، ولا في سُكُرُّجَة، قال قتادة: قلت لأنس: فعلاَم كنتم تأكلون قال: على السُّفَر، وقيل: المائدة اسم الطعام، وإن لم يكن في وعاء ولا على خِوان.
وجزم بذلك بعض المحقّقين من أهل اللغة، ولعلّه مجاز مرسل بعلاقة المحلّ.
وذكر القرطبي أنّه لم تكن للعرب موائد إنّما كانت لهم السفرة.
وما ورد في الحديث من قول ابن عباس في الضبّ: لو كان حرامًا ما أُكل على مائدة رسول الله، إنّما يعني به الطعام الموضوع على سفرة.
واسم السفرة غلب إطلاقه على وعاء من أديم مستدير له معاليق ليرفع بها إذا أريد السفر به.
وسمّيت سفرة لأنّها يتّخذها المسافر.
وإنّما سأل الحواريّون كون المائدة منزّلة من السماء لأنّهم رغبوا أن تكون خارقة للعادة فلا تكون ممّا صنع في العالم الأرضي فتعيّن أن تكون من عالم علوي. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {قَالَ اتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فيه وجهان:
الأول: قال عيسى اتقوا الله في تعيين المعجزة، فإنه جار مجرى التعنت والتحكم، وهذا من العبد في حضرة الرب جرم عظيم، ولأنه أيضًا اقتراح معجزة بعد تقدم معجزات كثيرة، وهو جرم عظيم.
الثاني: أنه أمرهم بالتقوى لتصير التقوى سببًا لحصول هذا المطلوب، كما قال: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] وقال: {يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} [المائدة: 35] وقوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يعني إن كنتم مؤمنين بكونه سبحانه وتعالى قادرًا على إنزال المائدة فاتقوا الله لتصير تقواكم وسيلة إلى حصول هذا المطلوب. اهـ.

.قال الثعلبي:

قال عيسى مجيبًا لهم {اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} فلا تشكوا في قدرته. وقيل: اتقوا اللّه أن تسألوه شيئًا لم يسأله الأمم قبلكم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {اتقوا الله إِن كنتم مؤمنين} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: اتقوه أن تسألوه البلاء، لأنها إِن نزلت وكذّبتم، عُذبتم، قاله مقاتل.
والثاني: أن تسألوه ما لم تسأله الأُمم قبلكم، ذكره أبو عبيد.
والثالث: أن تشكُّوا في قدرته. اهـ.

.قال القرطبي:

{قَالَ اتقوا الله} أي اتقوا معاصيه وكثرة السؤال؛ فإنكم لا تدرون ما يحل بكم عند اقتراح الآيات؛ إذ كان الله عز وجل إنما يفعل الأصلح لعباده.
{إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} أي إن كنتم مؤمنين به وبما جئت به، فقد جاءكم من الآيات ما فيه غِنًى. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ} أي عيسى عليه الصلاة والسلام لهم حين قالوا ذلك: {اتقوا الله} من أمثال هذا السؤال واقتراح الآيات كما قال الزجاج.
وعن الفارسي أنه أمر لهم بالتقوى مطلقًا.
ولعل ذلك لتصير ذريعة لحصول المأمول فقد قال سبحانه: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق:، 3] وقال جل شأنه: {رَّحِيمٌ يَئَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} [المائدة: 35] {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} بكمال قدرته تعالى وبصحة نبوتي أو كاملين في الإيمان والإخلاص أو إن صدقتم في ادعاء الإيمان والإسلام. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقول عيسى حين أجابهم {اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين} أمر بملازمة التقوى وعدم تزلزل الإيمان، ولذلك جاء بِ {إن} المفيدة للشكّ في الإيمان ليعلم الداعي إلى ذلك السؤال خشية أن يكون نشأ لهم عن شكّ في صدق رسولهم، فسألوا معجزة يعلمون بها صدقه بعد أن آمنوا به، وهو قريب من قوله تعالى لإبراهيم المحكي في قوله: {قال أولم تؤمن}، أي ألم تكن غنيًّا عن طلب الدليل المحسوس.
فالمراد بالتقوى في كلام عيسى ما يشمل الإيمان وفروعه.
وقيل: نهاهم عن طلب المعجزات، أي إن كنتم مؤمنين فقد حصل إيمانكم فما الحاجة إلى المعجزة. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الاستطاعة:
قد وردت في القرآن على ثلاثة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى السّعةِ والغِنى بالمال: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ}، {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
الثانى: بمعنى القوة والطَّاقة: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ}.
الثالث: بمعنى القُدْرة والمُكْنة البدنيّة: {وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْبًا}، {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ}.
والاستطاعة استفعالة من الطَّوع.
وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتيا.
وهو عن المحققين اسم للمعانى التي بها يتمكَّن الإِنسان مّما يريده من إِحداث الفعل).
وهى أَربعة أَشياءَ: بِنْية مخصوصة للفاعل، وتصوّر للفعل، ومادّة قابلة لتأْثيره، وآلة إِن كان الفعل آليًّا، كالكتابة؛ فإِن الكاتب محتاج إِلى هذه الأَربعة في إِيجاده للكتابة.
ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة إِذا فَقَد واحدًا من هذه الأَربعة، فصاعدًا.
ويضادّه العَجْز، وهو أَلاَّ يجد أَحد هذه الأَربعة فصاعدًا.
ومتى وَجَدَ هذه الأَربعة كلَّها فمستطيع مطلقا، ومتى فقدها فعاجز مطلقا، ومتى وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجهٍ، عاجزٌ من وجهٍ.
ولأَن يوصَف بالعجز أَولى.
والاستطاعة أَخصّ من القدرة.
وقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} فإِنَّه يحتاج إِلى هذه الأَربعة.
وقوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} قيل: قالوا ذلك قبل أَن يَقْوى معرفتُهم بالله.
وقيل: إنَّهم لم يقصِدوا قصد القُدْرة، وإِنَّما قصدوا أَنَّه هل يقتضى الحكمةُ أَن يفعل ذلك، وقيل: يَستطيع ويُطيع بِمعنى واحدٍ، ومعناه: هل يجيب؛ كقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أى يُجاب.
وقرئ {هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ} على الخطاب، ونصب {ربّك} أَى سؤال ربّك؛ كقولك: هل تستطيع الأَمير أَن يفعل كذا؟ ويقال فيه استاع واسطاع؛ قال الله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْبًا} قال:
تكثَّرْ من الإخوان ما اسطعت إنهم ** عمادٌ إذا استنجدتم وظهورُ

فما بكثير أَلف خلّ وصاحب ** وإنَّ عدوّا واحدا لكثير

. اهـ.